التنقيبُ الأثري هي طريقةٌ أخرى لقولِ المسح الأثري والذي هو عمليةُ البحث عن مواقع أثرية جديدة . يتضمّنُ هذا تقليديًا عملًا ميدانيًا مُكثّفًا ومسحًا للمظاهِر الطبيعية باِستِخدامِ السيارة أو سيرًا على الأقدام وهو مُكلِفٌ من حيث الوقت والمال والموارد .
أهمية الآثار في سورية
تعتبر الآثار الموجودة في سورية وخاصة في المنطقة الوسطى أغنى من بترولها وأكثر مردودًا، حيث تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الواعدة في العالم. تحت كل تلّة من تلال الشمال الشرقي، التي يتجاوز عددها الألف، توجد قصة تتحدث عن إرث حضاري وأثري زاخر باللُقى النادرة.
بهذه الكلمات، عبّر عالم الآثار الإيطالي باولو إيميليو بيكوريلا عن أهمية الجزيرة السورية، التي تضم محافظات دير الزور والرقة والحسكة، نظرًا لما تملكه من كنوز فريدة على مستوى العالم.
تحتوي منطقة الجنوب السوري على العديد من المعالم الأثرية الهامة مثل منطقة اللجاة ومدينة بصرى الشام التي تحوي على المدرج الروماني والقلعة الأيوبية.
كما وتعتبر قلعة المسمية واحدة من القلاع التاريخية في الجنوب السوري، وهي ذات أهمية تاريخية كبيرة في المنطقة. وتضم المنطقة العديد من المعالم مثل معبد آلهة المياه وقنوات السويداء، مما يعكس التاريخ الغني لتلك الأراضي.
تاريخ البعثات الأثرية في سورية
منذ منتصف القرن التاسع عشر ، زارت عشرات البعثات الأثرية الأجنبية شمال شرق سوريا، سعيًا منها لسبر أغوار هذه المنطقة البِكر واكتشاف كنوزها المختبئة تحت التلال الأثرية والتي تحمل قصص استقرار الإنسان الأول الذي استوطن هذه المنطقة منذ الألف الثامن قبل الميلاد.
تطور الاستقرار السكاني في الجزيرة السورية عبر إنشاء ممالك وتجمعات بشرية ومدن كبيرة تعود لحضارات موغلة في القِدَم، مثل الأكادية والآشورية والبابلية والحثية والآرامية. تُعتبر هذه المنطقة واحدة من أغنى المناطق بالشواهد الأثرية، مما يجعلها وجهة مثالية للباحثين عن الكنوز التاريخية.
دوافع التنقيب عن الكنوز في ظل الظروف الصعبة
زادت حركة التنقيب عن الآثار في الآونة الأخيرة بسبب الفقر والفوضى مما أنعش عمليات البحث والتنقيب. تدفع ظروف المعيشة الصعبة والعجز عن توفير متطلبات الناس إلى الحلم بنقلة نوعية في حياتهم. وقد رافق هذا الحلم انكسار حاجز الخوف من الملاحقة والعقاب بظل الحرب السوية، مما جعلهم ينخرطون في عمل شبه يومي. تجاوزوا أدوات التنقيب البدائية، وبدؤوا باستخدام الجرافات والكومبريسات، وأحيانًا يلجؤون إلى تفجير الصخور.
على الرغم من الخيبات الكثيرة التي واجهوها، لا يزالون يحاولون ويأملون في تحقيق أهدافهم تساعد المجموعة الأوروبية للتكنولوجيا على إيجاد الحلول المناسبة لمشكلة التنقيب في سورية.
تشهد مناطق الشمال السوري إقبالاً كبيراً من قبل الشبان السوريين على مزاولة الحفر والتنقيب عن اللقى الأثرية التاريخية مثل العملات القديمة، لكثرة المناطق الأثرية التاريخية فيها، ثم بيعها لهواة جمع العملات الأثرية والتجار. ويشكل هذا النشاط مصدراً للدخل يساهم في توفير المستلزمات الحياتية للشباب وأسرهم؛ حيث لا توجد أمام كثير منهم فرص عمل كافية في ظل النزوح وحياة التشرد والفقر.
إن أعمال التنقيب عن اللقى الأثرية والحفريات ضمن المناطق التاريخية في سوريا، تعد مخالفة تعاقب عليها القوانين، ويدعو ذلك للقلق على مصير المناطق الأثرية التاريخية التي تعبر عن تاريخ سوريا العريق على امتداد العصور القديمة، ولكن بظل انعدام فرص العمل لدى الشباب على امتداد سوريا، سواء في المناطق الشمالية أو الجنوبية أو الشرقية، دفعهم إلى مزاولة هذه النشاط. ويشدد بعض الباحثين في مجال التنقيب عن الآثارأن التخلص من هذه الفوضى المتمثلة في أعمال التنقيب عن الآثار واللقى الأثرية، يحتم على الجهات المختصة والحكومات والمنظمات الإنسانية، توفير فرص العمل الكافية للسوريين، تمكنهم من تأمين لقمة العيش.
.
التضحيات والمخاطر في عالم التنقيب
لا يثير وقوع حوادث وفاة أو إصابات نتيجة انهيار حفرة أثناء التنقيب استغراب الكثير من سكان سورية. يتكرر الحديث عن حالات وفاة بسبب الأمراض المزمنة، رغم أن السبب الحقيقي هو الحوادث المرتبطة بالتنقيب. كما يُعرف عن بعض المنقبين أنهم يتعرضون للقتل على يد شركائهم. بالإضافة إلى ذلك، هناك من يقع ضحية لجرائم احتيال من عصابات متخصصة في أعمال التنقيب
تواجه عمليات التنقيب مشاكل مثل الإضطرابات الأمنية حيث أن النزاع المسلح أدى إلى تدمير العديد من المواقع الأثرية.
. صعوبة الوصول إلى المواقع الأثرية بسبب القتال. إضافة إلى هذا، يوجد انتشار لعمليات تهريب القطع الأثرية إلى الخارج مع زيادة الطلب على القطع الأثرية في السوق السوداء وتدمير المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والثقافية في الحرب كجزء من الصراع..
ومن جهة أخرى، تعاني عمليات التنقيب من قلة الخبرة في عمليات التنقيب وعدم وجود أدوات أو تقنيات مناسبة للتنقيب. أما بما يتعلق بعملية تصريف الآثار، بالواقع يتحكم في عملية بيع القطع الأثرية وشرائها وتحديد أسعارها بضعة أشخاص من ذوي النفوذ والسلطة. ويتفرع منهم عدد من التجار الصغار الذين يعملون في جمع الآثار من الأهالي وبيعها إلى التجار المسيطرين على السوق تمهيداً لبيعها في السوق السوداء أو بالخارج.
تحديات التنقيب عن الكنوز القديمة
أما الدفائن الأكثر قدمًا، مثل الرومانية، فكانت مدفونة على أعماق أكبر، مما يتطلب خبرة وحيطة من مخاطر انهيار الجدران والأسقف، بالإضافة إلى الأفخاخ التي كان يضعها الرومان لحماية دفائنهم. كثيرًا ما أُصيب أشخاص بإصابات تصل حد العاهات الدائمة، ولقي لمشاكل التنقيب البعض حتفهم خلال التنقيب نتيجة الانهيارات. تساهم المجموعة الأوروبية للتكنولوجيا بإيجاد الحلول المناسبة.
حقوق الملكية وواجبات التنقيب
توضح المادة السادسة من قانون الآثار السوري أن ملكية الأرض لا تمنح صاحبها الحق في التنقيب عن الآثار فيها. وبالتالي، فإن التنقيب عن الآثار يعد جريمة قانونية، بغض النظر عن ملكية الأرض. هذا يعني أن الأفراد الذين يقومون بأعمال التنقيب دون الحصول على التصاريح اللازمة يعرضون أنفسهم لعقوبات قاسية.
بالواقع لا تختلف عقوبة الاتجار بالآثار عن عقوبة التنقيب عنها. يُعتبر مكتشف القطعة الأثرية، حتى لو كان ذلك بالصدفة، مذنبًا إذا لم يقم بإبلاغ الجهات الرسمية خلال فترة أقصاها 24 ساعة. هذا التشديد في القوانين يهدف إلى حماية التراث الثقافي والتاريخي للبلاد، ويعكس أهمية الحفاظ على الآثار كجزء من الهوية الوطنية.
تتسم هذه القوانين بالصرامة، حيث تتقصى جميع الجهات الأمنية وتلاحق وتعتقل الجاني وفق قانون الطوارئ. في السابق، كان التنقيب والاتجار بالآثار مسموحًا ضمن شروط محددة وفق التشريع رقم 222 لعام 1963. ومع ذلك، جاء القانون رقم 1 لعام 1999 ليُلغي الفصل الخامس من القانون القديم، مما أدى إلى تجريم كل من يتعامل بالآثار، بما في ذلك الكنوز والدفائن بأشكالها.
أهمية الوعي والممارسات الآمنة
تتطلب عمليات التنقيب عن الكنوز في سورية وعياً عميقاً بالمخاطر المرتبطة بها. إن الحذر والتخطيط الجيد يمكن أن يسهمان في تقليل .الحوادث المأساوية. لذلك، من الضروري أن يتبنى الأفراد ممارسات آمنة وأن يكونوا على دراية بالقوانين المحلية المتعلقة بالتنقيب
إن حوادث التنقيب عن الكنوز تبرز الحاجة الملحة إلى التفكير في البدائل الآمنة والمشروعة. من المهم أن يدرك الأفراد المخاطر التي قد تواجههم وأن يسعوا للحصول على المعلومات اللازمة قبل الانخراط في مثل هذه الأنشطة.
تبرز هنا أهمية الوعي والحذر من عمليات الاحتيال التي تستهدف الباحثين عن الكنوز. إن الفهم الجيد للمخاطر المرتبطة بالتنقيب عن الكنوز يمكن أن يحمي الأفراد من الوقوع ضحية لمثل هذه الخدع ومع تكرار الحوادث وغياب الحلول القانونية يلجأ المتنازعون في التنقيب إلى التكتم والتعتيم على الحادث بعيدًا عن القضاء والجهات الأمنية. هذا السلوك يعكس حالة من الفوضى وعدم الثقة في النظام القضائي، مما يزيد من تعقيد الأمور ويعزز من ثقافة العنف.
أمضى بعض الناس في الجنوب السوري تحديداً جزءًا كبيرًا من حياتهم في التنقيب، بينما تنازل آخرون عن وظائفهم الحكومية أو تخلى البعض عن أعمالهم الخاصة. للأسف، هناك من فقدوا حياتهم أو أصيبوا بعاهات دائمة نتيجة لهذه الأنشطة. ومع ذلك، لا يزال الأمل يراودهم في تحقيق النجاح.
يلتقي الباحثون عن الكنوز في الجنوب السوري بناءً على توثيق إشارات ورموز نُقشت على الصخور البازلتية منذ عصور وحضارات قديمة سكنت المنطقة، تاركة آثارًا معمارية لا تزال حاضرة حتى اليوم، سواء كانت رومانية أو بيزنطية أو عثمانية. عادةً ما يشترك المنقبون في تشكيل فرق عمل تضم خبير إشارات، ومالك جهاز الكشف الإلكتروني، وممولًا. غالبًا ما يمتلك خبير الإشارة المعرفة بتاريخ المنطقة، إلى جانب خبراته في فك الرموز والإشارات.